المرزوقي: أسباب الثورة التونسية ما تزال قائمة في عهد سعيِّد.. والجزائر ترى في نجاح التجربة الديمقراطية "تهديدا" لها لذلك عملت على إفشالها
تحدّث الرئيس التونسي الأسبق، منصف المرزوقي، عن حصيلة ما يُعرف بـ"ثورة الياسمين" بعد مرور خمسة عشر عاما على اندلاعها، معتبرا أن المشهد السياسي الراهن في تونس يعكس عودة واضحة إلى مناخ ما قبل 2011، في ظل حكم وصفه بالسلطوي وهيمنة منطق الخوف وعودة المعتقلين السياسيين، غير أنه شدد في المقابل على أن روح الحرية التي زرعتها الثورة لم تُهزم، وأنها ما تزال كامنة في وعي التونسيين وقابلة للانبعاث من جديد.
وجاءت مواقف المرزوقي في حديث لإذاعة فرنسا الدولية، أمس الأربعاء، بمناسبة الذكرى الخامسة عشرة لانطلاق الاحتجاجات من مدينة سيدي بوزيد، عقب إقدام البائع المتجول محمد البوعزيزي على إضرام النار في جسده نهاية سنة 2010، في واقعة هزّت البلاد وأسقطت نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي بعد شهر واحد، ومهّدت لموجة احتجاجات واسعة في عدد من دول المغرب العربي والشرق الأوسط عُرفت لاحقاً بـ"الربيع العربي".
واعتبر المرزوقي أن القراءة السطحية التي تذهب إلى فشل الثورة بشكل نهائي تُغفل تحولات عميقة مست وجدان المجتمع التونسي، مبرزا أن تجربة السنوات التي تلت 2011 مَكَّنت المواطنين، ولو مؤقتا، من تذوق حرية التعبير وانتقاد السلطة دون خوف، وهو ما لا يمكن محوه بسهولة، مضيفا أن ما يجري اليوم لا يمثل نهاية الربيع العربي، بل مجرد مرحلة ارتداد، وأن هذا المسار، في نظره، "لم ينته بعد بل ما يزال في بدايته".
وفي ما يخص الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بتونس، حذَّر الرئيس التونسي الأسبق من تفاقم مظاهر الفقر والتهميش، مؤكدا أن حالة اليأس التي دفعت البوعزيزي إلى فعلته المأساوية لم تختف، بل تكررت بأشكال مختلفة، في ظل تدهور القدرة الشرائية وتآكل الطبقة الوسطى، معتبرا أن السلطة الحالية تجد نفسها في وضع مشابه لما كان عليه نظام بن علي، إذ فقدت دعم النخب الاقتصادية دون أن تنجح في تحسين أوضاع الفئات الفقيرة.
وأكد المرزوقي أن تراكم الغضب الاجتماعي، سواء لدى الفئات الشعبية أو داخل الأوساط الميسورة، ينذر بانفجار جديد، واصفا الوضع بـ"البركان الصامت" القابل للثوران في أي لحظة، في ظل انسداد الأفق السياسي وتضييق الحريات وغياب حلول اقتصادية حقيقية.
وبالمقارنة بين فترتي حكم زين العابدين بن علي والرئيس الحالي قيس سعيّد، شدد المرزوقي على أن السنوات التي قاد فيها المرحلة الانتقالية شهدت ترسيخا فعليا لدولة القانون، من خلال استقلال القضاء، واحترام الحريات العامة، وخلو السجون من المعتقلين السياسيين، إلى جانب إطلاق مسار لمكافحة الفساد، معتبرا أن تعثر التجربة الديمقراطية يعود إلى أخطاء داخلية، لكن أيضاً إلى ما وصفه بـ"فيتو إقليمي" معادٍ للديمقراطية.
وأشار في هذا السياق إلى أن عددا من الأنظمة العربية، وفي مقدمتها الجزائر ومصر والإمارات، رأت في نجاح التجربة التونسية تهديدا مباشرا لها، وعملت، بحسب تعبيره، على إفشال موجة التحولات الديمقراطية عبر وسائل مختلفة، من بينها الحروب الأهلية والانقلابات والدعم المالي والإعلامي والتوظيف السياسي للفوضى والإرهاب.
وفي ما يتعلق بموقف الاتحاد الأوروبي، انتقد المرزوقي ما اعتبره دعما أوروبيا للسلطات التونسية الحالية، خاصة في ملف الهجرة، معتبرا أن بعض الدول الأوروبية، وعلى رأسها إيطاليا، تفضّل التعامل مع أنظمة سلطوية بوصفها "حراساً للحدود"، بدل دعم مسارات التنمية والديمقراطية، واصفاً هذه المقاربة بالقصيرة النظر.
وختم المرزوقي بالتأكيد على أن التحول الديمقراطي في العالم العربي يظل شأنا داخليا بالأساس، وأن التعويل على الدعم الأوروبي يبقى محدود الجدوى، في ظل ما وصفه بازدواجية الخطاب والاكتفاء بتصريحات شكلية لا تواكبها إرادة سياسية حقيقية لدعم حقوق الإنسان والديمقراطية في المنطقة.




